بالعودة إلى ورشة العمل حول المرحلة الانتقالية نجد أن الدستور كان الحلقة الأهم بتلك الدراسة، حيث تطرح الورقة عدة خيارات منها تعديل دستور 2012 بالتقليل من صلاحيات الرئيس وإعطاء هذه الصلاحيات للحكومة الانتقالية, أو العودة إلى دستور 1950 مع بعض التعديلات, أو العمل بدستور جديد.
نظرة بسيطة وسريعة إلى تلك الخيارات نجد أنها تعتمد بشكل كلي على تعديلات وأشياء جديدة، لذلك من المفيد لنا أن نبقى وفق شرعية الدستور وهو إيقاف العمل بالدستور حسب المادة \110\ من الدستور الحالي، حيث يحق للرئيس إيقاف العمل بالدستور وانتخاب جمعية تأسيسية لمدة سنتين على الأكثر لتنتج لنا دستورا جديدا وقوانين انتخاب جديدة، على أن يكون هناك اتفاق لمبادئ فوق دستورية يتفق عليها ممثلو السوريين ويكون الدستور على ضوء هذه المبادئ ويسير مجلس الحكم الانتقالي وفق هذه المبادئ.
ما هي هذه المبادئ الدستورية ولماذا ؟
المبادئ فوق دستورية تأتي حتى يبقى التزام السلطات المتعاقبة على الحدود الدنيا من المشترك بين شرائح المجتمع المتعددة، ولا يكون لأحد متفرد بالسلطة يوما ما، الحرية في تعديل الدستور وفق هواه إذا امتلك أغلبية في البرلمان وإضاعة حق الأقلية (طبعا أتحدث عن أقلية سياسية هنا).
المبادئ فوق دستورية يجب الاتفاق عليها مسبقا من كافة الأطراف على الساحة السورية، ويمكن أنّ أقدم بعض الاقتراحات التي كانت تحظى بالقبول على مدى السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل بظل حوارات متعددة مع أطراف سورية مختلفة، وهي:
1- المحافظة على سوريا أرضا وشعبا كما تأسست بالعهد الحديث وعدم القبول بالتفريط بجزء منها مهما كانت المبررات.
2- احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفق ميثاق الأمم المتحدة بكل ما جاء في هذا الميثاق.
3- الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع الرئيسية.
4- الأكراد هم القومية الثانية في البلاد بعد العربية ويجب أن يراعى ذلك ويترتب على ذلك حقوق وفق الدستور.
5- عدم شرعية الانقلابات العسكرية تحت أي مبرّر واحترام الديموقراطية وتبادل السلطة.
6- التأكيد على شعار الدين لله والوطن للجميع علما أن البند الثاني يتضمن ذلك ولكن للتأكيد على الحرية الدينية مضافا إلى الحرية السياسية.
7- التأكيد على دور المرأة ومساواتها مع الرجل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك منصوص عليه بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
8- الجيش السوري هو لحماية البلاد وصون حدودها ولا يجب أن يزج بالصراعات الداخلية.
يمكن إضافة مبادئ أخرى مع تعديلات أيضا، ويمكن أن يكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كافيا لمبادئ فوق دستورية.
ولكن في كل حل يخرج إلينا أسئلة جديدة, مثلا من سيوّقع على هذه المبادئ؟ ومن سيتفق عليها وهل هم منتخبون من قبل الشعب السوري أم لا ؟
هل نستطيع تجاوز بعض القوانين من أجل عدالة ما؟ كيف سنستطيع الالتفاف على ذلك؟ سيبقى هناك مشكلة.
بشكل عام في كل مقررات ودساتير العالم سيبقى هناك من لا يوافق على بعض الفقرات ولكن يجب مراعاة حقوق الجميع إذا أمكن أو الغالبية العظمى إن لم يكن بالإجماع وبكل حال لا يعتبر شيء من الاتفاق ساري وشرعي بدون استفتاء وحيازته على غالبية فعلية من السوريين.
بكل حال نتجه إلى إمكانية إجراء الاستفتاء وكيف يمكننا ذلك وكيف البدء بوقف القتال ومن يضمن حرية المنتخبين؟ وهل سيكون ذلك ممكنا؟ وهل سيكون ذلك على كامل الأراضي السورية وهل يقبل المتحاربون ذلك؟
المتطرفون الإسلاميون يرون أن الديمقراطية بدعة غربية لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، فكيف يمكن إذا إجراء انتخابات في أماكن سيطرتهم؟ هل يحتاج هذا العمل إلى حسم عسكري في مناطق والتغاضي عن الحسم العسكري في مناطق أخرى؟
كيف ندعو إلى وقف القتال والدعوة إلى حسم عسكري ومن هو صاحب الحق والقوة ليحسم عسكريا؟
هل نطلب تدخلا دوليا تحت راية الأمم المتحدة مثلا؟ وهل مجلس الأمن تحت إشارتنا وينتظر موافقتنا على ذلك ليفعل؟ من هي الدول التي نقبل بوجود قواتها على الأرض؟
الكثير من الأسئلة تتطلب الإجابة عليها قبل الشروع بعمل فعلي على الأرض.
وبعد كل ذلك إذا افترضنا نجاحنا بذلك وحققنا كل هذا وتمت الإجابة على هذه الأسئلة هل يمكن لقوة منتخبة أن تقود البلاد إلى جانب قوة معارضة أم نحتاج إلى حكومة وحدة وطنية بالضرورة وأقصد هنا بعد المرحلة الانتقالية المفترضة والتي عليها انجاز الدستور والقوانين الانتخابية أم يجب أن تستمر المرحلة الانتقالية أكثر.
هل نحتاج إلى مرحلة أخرى من دورة انتخابية أم اثنتين ؟؟؟؟؟
كل هذه الأسئلة تحتاج إلى جهد وعمل للإجابة عليها. ولكن نعود إلى أسئلة أخرى من سيجيب عليها ومن سيعمل على تحقيق الحل ؟
هل القيادات السياسية الحالية؟ أم نحتاج إلى قيادات جديدة؟ وما هي مواصفاتها؟ ولماذا لم تظهر إلى الآن؟ هل سيسمح هذا القديم المترهل للجديد بتصدر المشهد أم سيكون عائقا؟
كيف نستطيع تنحية القيادات الفاشلة تاريخيا والتي أوصلتنا إلى هنا؟ وهل نحن قادرون فعلا أم نحتاج إلى مساعدات دولية بهذا الشأن ؟
من هي الدول التي ستساعد ولماذا وما هي مصلحة الدول الأخرى لتقدم لك المساعدة بذلك ؟
هل الدول التي تستطيع المساعدة متفقة أصلا على نقل سوريا إلى برّ الأمان؟ وهل مصالحها واحدة وهل تتقاطع مع مصلحة الشعب السوري ؟؟؟؟؟؟؟
متى سيصل السوريون المتحاربون إلى قناعة أنّ الجلوس على طاولة المفاوضات هو الطريق النهائي للحل؟ ومتى سيكون لدينا قيادات سياسية مقتنعة أن المصلحة الخاصة التي لا تتماهى مع المصلحة العامة فإنها تقود البلاد إلى الخراب كما هو حاصل الآن .
هل نستطيع تشكيل تيار مدني للقيام بهذا العمل والضغط على الفصائل المقاتلة بالتوقف عن عملياتها الحربية وهل نحن قادرون بالداخل السوري على فعل ذلك وخاصة أن أنصار هذا التيار يخرجون إلى خارج سوريا تباعا نظرا لاستحالة الاستمرار بالعمل داخل سوريا خوفا من القتل أو الاعتقال أو الخطف أو كثيرة هي احتمالات التغييب .
ما هي وسائل الدعم الذي يحتاجها المتواجدون بالداخل للقيام بعمل ما؟ وهل لديهم من الإمكانيات المادية والذاتية ما يكفي لنقول عليكم أن تبقوا داخل سوريا وكل شيء يدعو للهجرة إلى خارج البلاد طالبين العيش بأمان أولا وكرامة ثانيا؟
هل نقول لشخص ما أن لك من الحقوق السياسية كذا، أو نقول نحن نؤيد حقك كما جاء بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولكن يمكن أن يموت بعد لحظة ؟ إذا لم نستطع تأمين حياته من القتل لا معنى لأية حقوق أخرى.
إذا هناك أولويات وعلينا البدء بها:
أولها تجفيف مصادر دعم القتل لكل المتقاتلين لضمان حياة الناس ..يبرز السؤال من جديد، هل نستطيع وكيف ؟